عودة طالبان وانفصال الجنوب “2”
يمنات
وضاح اليمن الحريري
كنت قد كتبت في موضوعي السابق ( عودة طالبان وانفصال الجنوب ) أن للحديث بقية، منطلقا من ان الموضوع يشكل مدخلا، لابراز بعض الملاحظات المتعلقة، بمسألة انفصال الجنوب، تأسيسا على العامل الاقليمي ( السعودي )، وأثره على القرار الأمريكي بشأن الحل السياسي لمشكلة الحرب في اليمن، وبان الحوثي قد يشكل حلا مناسبا تتخذه الولايات المتحدة بعد ضمانها تأمين المملكة السعودية وتسوية الأوضاع بينهما، بما يسمح للحوثي وحركته فرض سيطرة أوسع على الرقعة اليمنية.
وإذ ان اتفاق ( الدوحة ) بين طالبان والولايات المتحدة، قد يكون هو نقطة الانطلاق لفرض سيطرة طالبان على افغانستان، بعد ان استغرق هذا الاتفاق من الولايات المتحدة عقدين كاملين، لا يستبعد ان يقوم المبعوث الامريكي بلعب دور الممهد لاتفاق كهذا يختص بحل مشكلة الحرب في اليمن وايجاد تسوية سياسية لها، بغض النظر عن تبعاتها الداخلية وما سيرافقها، كما هو الوضع الآني حاليا في أفغانستان.
هناك ما يدفع بتحليل الامور في الاتجاه الذي تناولته اعلاه، وهذا الدافع له ما يبرره من المعطيات المتوفرة على أرض الواقع، وأثرها على انفصال الجنوب وبقاء الدولة اليمنية في حالتها الانتقالية ولو الى حين.
يقتضي الموضوع تقديم هذه المعطيات من ناحية كونها مداخل متفاوتة، لزوايا رؤى لا تتقارب مع بعضها.
المعطى الأول: أخطاء الخصم
يستمد الحوثي قوة حضوره، والسمعة التي يتمتع بها كقوة نافذة، من ناحيتين هما أخطاء الشرعية القاتلة وضعفها العام، الشرعية مجتمعة بمكوناتها المختلفة او متفرقة، والشرعية في تواجدها في المجزأ والمبعثر بين اطرافها في المناطق المحررة، أما العامل الاخر فيتمثل في توفير مبرر كاف للحوثي بادعائه بالوطنية المفرطة في مواجهة (العدوان) الذي يشنه عليه التحالف مسنودا بقوى الشرعية، وليس العكس دفاع الشرعية عن كيان الدولة مسنودة بالتحالف، وهناك فرق بين هاتين الرؤيتين.
خصوم الحوثيين منهكون في مواضيعهم وفوضاهم الداخلية، ويتمرغون فيها، تمرغ الجلود الحارة بالوحل الذي يبردها، وهم منهمكون ايضا في ذلك، الأمر الذي صار لا يخفى على احد وأولهم السعوديون، الذين بالتأكيد يسعون حثيثا لايجاد بدائل يتفاوضون معها، ويتبادلون الرسائل على ضوء خيارين لا يختلف عليها الطرفان، وهي اطار الدولة القادمة وتفاصيلها يشمل ذلك شروط التسوية السياسية، وضمانات انجاح الاتفاقات بينهما بمباركة امريكية لن يختلفا عليها.
المعطى الثاني: واقع الحرب الميداني
قدمت تطورات الحرب في اليمن وما وصلت اليه الاحداث، وعلى مدى سبع سنوات، بعدا جديد وهي إنها حرب لا تستطيع التمادي كي تصل الى مستوى الحرب الإقليمية، وإنما هي حرب محلية خالصة، بمعنى ان انقسامات قوى الشرعية، ادت الى تزايد في عدد المتصارعين المحليين أكثر من أن تكون نتيجتها، نمو في قوة الشرعية وشدة بأسها، في وقت صارت قوات الحوثي هي الند الأكبر للجميع محليا، بينما هي اضعف من ان تحقق نصرا ذو معنى على الحدود الشمالية مع المملكة السعودية، هذا الواقع الحربي الميداني، يطمئن السعودية في اي خيار سياسي ستلجأ اليه، ولسبب الندية الذي قدمه الحوثي وحركة أنصار الله محليا، يوحي في الاذهان بالندية المحلية لطالبان في افغانستان، ويمنح الحوثي فرصة لتقديم نفسه كحل بديل ومساوم
المعطى الثالث: أحوال معيشية مضنية
لا يخفى على كل مطالع ومتابع لأوضاع وأحوال الناس المعيشية في اليمن، بأن الحال هو في أسوأ لحظاته بالنسبة لعامة المواطنين، في الارياف والمدن، في الجبل والبحر والصحارى، مما افقد الناس حماسها لتأييد أطراف الحرب، في انتصاراتها، او معاتبتها في هزائمها، او حتى في حالة عدم حدوث او ورود اي خبر، وهذا يبين أن ارادات أطراف الحرب في أضعف حالاتها، وان الخيارات السياسية لم تعد تهم المواطنين، بما يكفي لمد امد الحرب، من اجل نصر جليل.
هذه الحالة بالتأكيد تسهل الامر كثيرا امام الحوثي وحركته لتحقيق تقدمات سياسية ومعنوية تكافئ تقدماته العسكرية الحالية او التي ستحدث لاحقا في حالة التسوية المفترضة مع السعودية بواسطة أمريكية.
هناك بالتأكيد معطيات أخرى ذات أثر مهم في سياق الموضوع، لا يسعفنا الوقت لورودها، إنما أردت ان اشير الى ان المعطيات الثلاثة الاولى كافية لأن يشكل الحوثي حلا بديلا اقرب ما يمكن أن يكون الى الواقع، عاكس نفسه على حل انفصال الجنوب باعتباره الحل الابعد، حيث ان الأقليم مازل ينظر للحرب في اليمن بفكرة شاملة لايريد ان يغرق في جزئيات تفاصيلها كحرب مجزأة لها قضايا في داخل القضايا..وللحديث بقية.
للاشتراك في قناة موقع يمنات على التليجرام انقر هنا